سطور

عبد النبي النديم يكتب: ليلة بكى فيها المصريون

عبدالنبي النديم
عبدالنبي النديم

صدمات متتالية، وطعنات غدر في غفلة من الزمن، وجهت إلى صدور المصريين، في ليلة كاحلة السواد، أدمت قلوب الجميع، وأسالت دموع المواطنين في كل جنبات المحروسة، الكل يتابع الأحداث المتلاحقة، من اللحظات الأولى لطعن نيرة أشرف الطالبة الجامعية بكلية آداب المنصورة، من زميل لها، نحرها بكل دم بارد، ولم يكن يعلم أنه ينحر معها قلوب أهلها، ويغرز سكين الغدر في قلوب المصريين، الذين انهاروا عندما شاهدوا فيديو مقتلها، وعلى ألسنتهم كلمة واحدة «بأى ذنبٍ قُتلتْ» ..
لم تتحامل قدمي والدها أن تقوى على السير في جنازة ابنته، ليشيعها إلى مثواها الأخير، بدلاً من أن يزفها في ليلة عمرها، وأمها التي زاغت أبصارها، تهذى بكلمات غير مفهومة، تعيش في حالة بين اللاوعى والغيبوبة، تهرب من الحقيقة الصادمة التي ألقيت على رأسها.. وكسرت قلبها، فآخر بناتها لن تزف إلى عريسها، ولن تلبس فستان زفافها، بل كفنوها في ثوب أبيض بلا زينة ولا طرحة، ولم ترتدي تاجها، بل حملوها على الأعناق، إلى باب قبرها..
يا لها من ليلة طويلة ثقيلة بهمومها وأحزانها، عاشها المصريون، يتابعون فيها بقلوب يملؤها الوجع، وآسراب السيارات تنقل ضحية الغدر والأنانية «نيرة أشرف» من المنصورة بالدقهلية، إلى المحلة الكبرى بالغربية، هبت كل القرية عن بكرة أبيها تلملم بقايا ضحيتهم من على الرصيف الذى كان أرحم عليها من قلب قاتلها، الذى أغواه حب التملك والأنانية لفتاة لم ترغب فيه يوماً، وصدته مرات ومرات.. فغواه شيطانه، وساقه وسواسه الخناس إلى طريق الشر، عازماً في قراره.. بعد أن عقد اجتماعاً مع نفسه الأمارة بالسوء، وشيطانه الذى يسكنه على خيارين «إن لم تكن لي .. فلن تكن لغيري».
أي عقيدة هذه؟!.. وأى قانون غابة يريده؟! 
شيطان على هيئة إنسان .. سعى فى الأرض الفساد ولم يراعي حرمة للعباد ، بلغ بكبره وغروره الجبال طولا، وخرق الأرض بجرمه وعدوانه، لم يلق تربية أو يتعلم الأخلاق أو يحمل في قلبه ذرة من دين، وتخلى عن كل عقائده، واستل سكين الخيانة والغدر ليغرسها في قلب عروس، كانت تملأ الدنيا فرحاً وبهجة ونشاط، وينحر بها جيدها ويطعن بها قلبها، الذى لم ينبض له، فحبال الوصال لم تتلقاها «نيرة»، وحاول أن ينصب شباكه حولها فقطعتها، ولم تلتفت إلى ملاحقته لها ليلاً ونهاراً، بل ضاقت ذرعاً بجرمه الذى كان يجب أن يعاقب عليه عرفياً وجنائياً، ولم يتم سجن هذا القاتل على جرمه السابق، فاستمرى في غيه، حتى ارتكب جريمته التي حطمت مشاعر الجميع، معلنين المطالبات بإعدامه في ميدان عام، أو في نفس المكان الذي قتل فيه براءة نيرة، حتى تأمن بناتنا طريقها في كل بقاع الوطن.
فهذا الحادث دق ناقوس الخطر، وجرس إنذار شديد اللهجة، لكل بناتنا، التي اصبحت لا تأمن من أين تأتي لها طعنة الغدر، وصورة نيرة الملقاه على حافة الرصيف لن تفارق خيالها، ودمائها التي روت الأرض طبعت بقلبها ، فلن نستطيع أن تأمن على نفسها بكل المحيطين بها فى طريقها، وسعيها وكدها.
فهذا السلوك المشين ليس دافعه الحب، وتطلع المجرم إلى الارتباط بمن اختارها، ومحاولة إجبارها على تقبله لا نقول عليه المثل القديم  «ومن الحب ما قتل»، فهذا ليس بحب.. فالحب يسمو بصاحبه من الإنسانية إلى الملائكية، وهذا الجرم المشين لا يمت للإنسانية بصلة، إنه الإجرام بكل تفاصيله.. أي حب هذا الذى يملأ قلب صاحبه كل هذا الشر وصدره معبأ بكل أصناف الكراهية..

نداء إلى كل أب وكل أم، استوصوا بأبنائكم خيراً، علموهم أن الحياة ليست ملكاً لأحد، ولن تقف على أحد، وأن كل إنسان من حقه الحياة، لا يعطيها ولا ينهيها إلا الله بقدره وحوله وقوته، علموهم منذ نعومة أظافرهم أن العطاء والحب والإيثار هو بذرة يجب أن يرعاها حتى تكبر معه فتكون شجرة أخلاقه وحسن تربيته ومعاملته وارفة الظل يستظل بها كل من حوله، علموهم أن قتل النفس هو الذنب الأكبر الذى جرمه الله عز وجل وعظَّمه، قال تعالى: «..أنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا».
 إزرعوا في قلوبهم أن العطاء نهر جار يكفي ويفيض على الجميع، وأن بناء جسور المودة والمحبة بين الجميع يخلق حياة يعيش فيها الجميع بطمأنينة ورحمة، يأمن بكل من يحيطون به ويأمنهم.
 علموهم التربية القويمة الني تقي المجتمع مثل هذه الجرائم التي ظهرت على السطح مؤخراً، الكارثة المجتمعية .. وقودها دوافع داخلية بالنفس، نتيجة رواسب إجتماعية خلفت دوافع انتقامية أدت إلى الإنحراف عن المسار القويم، وكذلك انتشار المخدرات وصنوفها المفزعة، التى أصبحت معامل تفريخ لكل أنواع الأمراض النفسية الناتجة في أغلبها عن عدم مراعاة الأسرة لدورها المنوط بها، وانتشار التفكك في الروابط بين أفرادها فيخرجوا إلى المجتمع مشوهين داخلياً، وتنضح عقدهم الداخلية على كل أفراد المجتمع المحيطين بهم..
رحم الله نيره ضحية سكين الغدر، وحفظ الله مصر وأهلها من شرور النفوس الضعيفة والمجرمة، وكل من ينال من أمن واستقرار المواطن في كل مكان، ولا تأخذنا بهم رأفة والضرب بيد من حديد على مثل هذه الجرائم لتكون رادع قوى وسيف بتار لعدم تكرارها.. وعبرة لمن تسول له نفسه الخروج عن الصف الإجتماعى.. استقيموا يرحمكم الله.